الوصف في الشعرالعربي الفصيح

من طرف **طلو صبيا** السبت مايو 17, 2008 12:35 am

الوصف غرض من أغراض الشعر القديمة، حيث واكب الإبداع الشعري منذ الجاهلية، ولا يزال غرضا مطروقا حتى اليوم. والوصف يسير في مسلكين اثنين، فهو إما أن يكون ممتزجا مع غيره من الموضوعات الأخرى كالمدح والرثاء والغزل وما إليها حيث أننا إذا مدحنا فإنما نصف محاسن الممدوح، وإذا رثينا فنحن نصف مناقب الفقيد، وهكذا.....، وإما يكون غرضا مستقلا بذاته لم يقصد به سواه.
وإذا حاولنا أن نلقي نظرة على الوصف في الشعر الجاهلي وجدناه منصرفا إلى مظاهر الطبيعة الخارجية سواء كانت هادئة كالصحراء والرمال والجبال وما شاكل ذلك، أو كانت حية متحركة كالإبل والخيل التي كان الجاهليون يركبونها ويولونها أهمية كبرى، نظرا لأنها دواب كانت ترافقهم في السلم والحرب والسفر، وكانت مطيعة خاضعة لرغباتهم وإرادتهم، كما نقرأ في قول عنترة :
سلس العنان إلى القتال فعينه**** قبلاء شاخصة كعين الأحول.
وقد استمر الوصف على هذا المنوال، بعد مجيء الإسلام، حتى إذا كان العصر العباسي وتنوعت مظاهر الحضارة والترف، اتجه الوصف إلى هذه المظاهر الحضارية فوصف الشعراء القصور والسفن والمنشآت المختلفة، كما ركزوا على وصف المعارك التي أبلى فيها المسلمون بلاء حسنا، وتمكنوا بها من قهر أعدائهم والتنكيل بخصم الديانة الإسلامية. كما تطور في هذه المرحلة وصف الخمرة والعناصر التي تستخرج منها كالعسل والنخل والكرم. ولعل من أشهر الأسماء في هذه الفترة أبا تمام والمتنبي وأبا نواس والبحتري وأبا فراس وابن الرومي.
ومع إطلالة العصر الحديث انصب اهتمام الشعراء الوصافين على لون آخر من الوان الحضارة يتمثل فيما أصبحت تزخر به المراكز الكبرى والمدن العصرية من فنون الترف ومظاهر اللهو، وما يتواصل انجازه من منشآت حديثة كالسدود والقناطر، وكذلك ما يتعز به جانب التقنية المعاصرة كالسيارة والطائرة والقطار. ومن أبرز الأعلام في هذا المجال معروف الرصافي وأحمد شوقي وفوزي معلوف.
على أننا إذا عرجنا على الشعر الأندلسي والمغربي وجدناه مهتما بفن الوصف أكثر من غيره، وخصوصا في مجال الطبيعة الخلابة التي كانت تسحر ألبابهم وترقق إحساسهم، والتي تميزت بها بلاد الأندلس والمغرب إلى درجت جعلت الشاعر الأندلسي لبن خفاجة يخاطب أبناء وطنه قائلا :
يأهل أندلس لله دركم ***** ماء وظل وأنهار وأشجار.
ما جنة الخلد إلا في دياركم **** ولو تخيرت هدى كنت أختار.
لا تحسبوا بعد ذا، إن تدخلوا سقرا ****فليس تدخل بعد الجنة النار.