الطب النبوي لفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الطب النبوي لفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي
(تــــــكملة)الطب النبوي لفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي
مفتي الجمهورية التونسية
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
إن علاقة المريض- بالأصحاء من خلال النصوص التي عرضناها تبدو متجهة إلى القضاء على عقدة الخوف من الإنسان. خوفه من الموت إذا كان مريضا وخوفه من إصابته بالمرض إذا كان صحيحا. وهذه ناحية هامة في توازن شخصية المسلم في حالتي السقم والصحة إذ يساعده العطف والكلام الطيب المتمثل في التخفيف عليه من حدة المرض (التنفيس في الأجل) والاعتقاد بأن الضر والنفع بيد الله وليس للعدوى أثر لابد منه، يساعده على التحصن بالشجاعة في مقاومة المرض. وعدم الهلع عند انتظار الأوبئة والأمراض المعدية وكم كشف الأطباء عن مرضى يحسون بآلام مختلفة وقد تكون مبرحة وما هي إلا من خداع النفس عندما تنهار ويحيط بها الخوف.
ثانيا الممرضون:
نني بالممرضين طائفة خاصة رزقوا قدرة على التأثير في غيرهم. إما تخريبا لصحتهم وإما إصلاحا لما اختل من استقامة البدن والروح.
ا) الطائفة المخربة تشمل العائنين والسحرة
أثبتت السنة أن العين تؤثر في الإنسان فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله r قال العين حق .
وروى مالك في موطئه عن محمد بن أبي أسامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول اغتسل أبي بالخرار (موضع قرب رابغ) فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر قال: وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد قال فقال له عامر بن ربيعة : ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء قال: فوعك سهل مكانه واشتد وعكه. فأتي رسول الله r فأخبر أن سهلا وعك. وأنه غير رائح معك يا رسول الله فأتاه رسول الله له فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر بن ربيعة فقال رسول الله r علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت إن العين حق توضأ له. فتوضأ له عامر فراح سهل مع رسول الله r . ليس به بأس.
إن هذه الأحاديث تثبت تأثير العنت بقدر الله قطعا. وأن التبريك يدفع الضرر. يقول أبو عمر بن عبد البر. والتبريك أن يقول. تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه .
يقول المازري . أنكر العين طوائف من المبتدعة ويرد عليهم أن ما ليس بحال في نسه. ولا يصدق إلى مخالفة دليا هو جائز وإذا أخبر الشارع بوقوعه وجب اعتقاده ولا فرق بين التكذيب به والتكذيب بشيء من أحوال الآخرة وزعم بعض الطبائعيين المثبتين للعين أن العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعيون فيهلك أو يفسد قالوا ولا يستند هذا كما لا يستنكر انبعاث ذلك من الأفعى والعقرب ثم أنكر عليهم التعبير بكلمة قوة ثم قال وأقرب طريق اقتحمها من ينتمي للإسلام أن قالوا غير بعيد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية تتصل بالمعيون وتتخلل مسام جسمه فيخلق الله سبحانه الضرر عندها. وعقب على ذلك بأن هذا ممكن لا دليل عليه .
وقد نقل العلماء ما يؤكدها وقع لسهل بن حنيف فقد ذكر ابن عبد البر أن سعد بن أبي وقاص خرج يوما وهو الكوفة فنظرت إليه امرأة فقالت إن أميركم هذا لأهضم الكشحين فعانته فرجع إلى منزله فوعك ثم إنه بلغه ما قالت فأرسل إليها فغسلت أطرافها ثم اغتسل به فذهب ذلك عنه وقال عن المدائني عن الأصمعي قال حج هشام بن عبد الملك فأتى المدينة فدخل عليه سالم بن عبد الله بن عمر فلما خرج من عنده قال هشام لا رأيت ابن سبعين أحسن كدنة منه (غلظ الجسم وكثرة اللحم) فلما صار سالم في منزله حم فقال أترون الأحول لقعني بعينيه، فما خرج هشام من المدينة حتى صلى عليه.
وروى الأبي عن شيخه ابن عرفة، أنه كان ببجاية رجل مشهور بإصابة العين فلما رجع الأمير أبو الحسن سلطان المغرب قافلا عن أفريقية إلى المغرب في الأسطول المعروف. وكان ببجاية حينئذ أمير من قبل الموحدين فأمره هذا الأمير أن ينظر إلى ذلك الأسطول ويعينه فكان من أمر الأسطول وإتلاف أكثره ما كان .
وحاول ابن قيم الجوزية إثبات تأثير العين في المعين بأن التأثير الروحي يقيني لمن تأمل، فروح الحاسد مؤذية للمحسود. إذ تتكيف بكيفيات خاصة وتقابل السود فتؤثر بتلك الخاصية.
وإذا كان الناظرون مختلفين في القدرة على التأثير مع عدم الاتصال المباشر إثباتا ونفيا يحتج النافي بالاستحالة العادية ويحتج المثبت بالإمكان العقاب وبالخبر الصادق فإن التقنية المعاصرة قد تجاوزت ذلك إذ أخرجته من حد الفرض إلى الواقع المادي في الكون. فالاليكترون وما بلغه من مستوى في التأثير يؤيد تأييدا يرفع كل شك في التأثير مع الانفصال. فالأقمار الصناعية والكواكب الفضائية يتحكم في سيرها المراقبون في الأرض والواحد منا يتحكم في جهاز التلفاز تغييرا وإشغالا وتعطيلا بواسطة جهاز الكتروني لا يتصل الاتصال المادي. أنه كلما تقدم العلم زاد تحكم الإنسان في الكائنات الكونية دون ، احتياج إلا مباشرة فعلية.
وكما خلق الله في النفس الإعجاب بكل فائق في كماله ورتب على ذلك أن بعض المعجبين قد يؤذون ما تسلطت عليه عيونهم لخواص في تركيبهم النفسي، فإنه سبحانه حسب سننه الكونية بين للناس طرق الوقاية والعلاج.
أما الوقاية فقد علم رسول الله اسم كل من أعجب بشيء أن يذكر اسم الله ويبرك عليه ولو كان متعلق الإعجاب ذاته أو أحد أحبائه فإن ضرر العين غير مرتبط بالكراهة والبغض كما تكون الوقاية بالرقية. يدل لذلك مارواه مالك في موطئه عن حميد بن قيس المكي أنه قال دخل على رسول الله كله بابني جعفر بن أبي طالب فقل لحاضنتهما مالي أراهما ضارعين؟ فقالت يا رسول الله إنه تسرع العين إليهما، ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أننا لا ندري ما يوافقك من ذلك فقال
رسول الله r استرقوا لهما فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين.
وأخرج أبو عمر بن عبد البر بسنده إلى ابن عباس قال كان رسول الله r يعوذ حسنا وحسيا. (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة) ثم يقول هكذا كان أبي إبراهيم يعوذ إسماعيل وإسحاق .
وأما العلاج فيكون بالوضوء وفي وصف الوضوء من أجل العين صور كثيرة أقربها إلى الصحة هي الطريقة التي رواها الرواة عن الزهري راوي حديث الوضوء من العنت. قال: يغتسل العائن في قدح من ماء يدخل يده فيه فيمضمض ويمجه في القدح ويغسل وجهه فيه ثم يصب بيده اليسرى على كفه اليمنى ثم يصب باليمنى على كفه اليسرى ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على مرفق يده اليمنى ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى ثم يغسل قدمه اليمنى تم يدخل اليمنى فيغسل قدمه اليسرى ثم يدخل يده اليمنى فيغسل الركبتين ثم يأخذ داخلة إزاره فيصب على رأسه صبة
واحدة وإلا يضع القدح حتى يفرغ .
2) الطائفة المصلحة وهي تشمل من يقوم على تمريض المصاب. فيعنى به في مأكله ودوائه وكل ما يحتاج إليه ومن يقوم على الرقيا. يجد المتتبع للسنة صورا من هدي النبوة في معاملته للمريض.
إن أول ما يلفت النظر هو التأكيد على احترام المريض وعدم الضغط عليه لأن المريض وإن كان مختل المزاج البدني إلا أن قدرته على الاختيار باقية سليمة وهو أحرص الناس على صلاح نفسه لأن حب الحياة غريزة مركوزة في باطن كل إنسان يشعر بها ويتفاعل معها بمقدار يفوق ما يشعر به غيره نحوه.
يدل لهذا ما أخرجه البخاري في مسنده إلى عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لددنا رسول الله r في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء فقال r لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم .
واللدود هو دواء يصب في جانب الفم.
هذا الحديث يصور لنا تأديبا عمليا أذن فيه رسول لله r ليقتلع عادات وتصورات ألفوها. فعندما يلد كل فرد كما لد هو في ، الوقت الذي لا حاجة به إلى ذلك يشعر بالأمر الذي يؤلم النفس في الوقت الذي يكون المريض أحوج ما يكون إلى من يساعده على الثقة في نفسه. ولا يقتصر الهدي النبوي على الدواء بل كذلك الطعام لا يجبر عليه.
روى الترمذي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال قالت رسول الله r ليقتلع عادات وتصورات ألفوها فعندما يلد كل فرد كما له هو في الوقت الذي لا حاجة به إلى ذلك يشعر بالأمر الذي يؤلم في الوقت الذي يكون المريض أحوج ما يكون إلى من يساعده على الثقة في نفسه . ولا يقتصر الهدى النبوي على الدواء بل كذلك الطعام لا يجبر عليه .
روى الترمذي أن الله يخلق لهم القوة الكافية عن تناول الطعام والشراب فعبر عن القوة بسببها فهو أحد قسمي المجاز.
يعلق عليه ابن القيم قائلا: وفي قوله r فإن الله يطعمهم ويسقيهم معنى لطيف زائد على ما ذكره الأطباء لا يعرفه إلا من له عناية بأحكام القلوب والأرواح وتأثيرها في طبيعة البدن وانفعال الطبيعة عندها كما تنفعل هي عن الطبيعة ونحن نشير إليه إشارة فنقول إذا حصل لها ما يشغلها من محبوب أو مكروه أو مخوف اشتغلت به عن طلب الغذاء والشراب فلا تحس بجوع ولا عطش ولا حر ولا برد بل تشتغل به عن الإحساس بالمؤلم الشديد الألم فلا تحس به. وما من أحد إلا وقد وجد في نفسه ذلك أو شيئا منه والنفس إذا اشتغلت بما داهمها وورد عليها لم تحس بألم الجوع فإن كان الوارد مفرحا قوي التفريح قام لها مقام الغذاء وإن كان الوارد محزنا أو مخوفا اشتغلت بمحاربته فهي في حال حربها في شغل عن طلب الطعام والشراب إن ظفرت في هذه الحرب انتعشت وأخلفت عليها نظير ما فاتها من قوة الطعام والشراب وإن كانت مغلوبة مقهورة انحطت قواها بحسب ما حصل لها من ذلك.
فالمريض له مدد من الله تعالى يغذيه به زائدا على ما ذكره الأطباء وذلك بحسب ضعفه وانكساره وانطراحه بين يدي ربه. عز وجل فيحصل له من ذلك ما يوجب قربا من ربه فإن العبد أقرب ما يكون من ربه إذا انكسر قلبه ، ورحمة ربه قريبا منه. فإن كان وليا له حصلت له من الأغذية القلبية ما تقوى به قوى طبيعته وتنتعش به قواه أعظم من قوتها وانتعاشها بالأغذية البدنية وكلما قوي إيمانه وحبه لربه وأنسه به وفرحه به وقوي بيقينه بربه واشتد شوقه إليه ورضاه به وعنه، وجد في نفسه من هذه القوة مالا يعبر عنه ولا يدركه وصف طبيب ولا يناله علمه .
فابن القيم عمل على تقريب الحكمة التي من أجلها أرشد r إلى ترك إكراه المريض على تناول الطعام وليس معنى ذلك، أنها يقينا الحكمة التي قصدها رسول الله r كما أنها ليست الحكمة الوحيدة وعلى كل فإن في كسر نفس المريض والتقوي عليه وإلزامه مالا يرغب ولا يستطيع دفعه لوهن قواه البدنية في ذلك ضرر محقق بقدرته الباطنية وتحطيم لقواه المعنوية التي لا تعود على المريض إلا بالضر.
إن عدم الإكراه يصحبه ما قدمنا من توهين أمر المرض ، والدعاء للمريض، وتقوية طاقة تحمله بالتنفيس في أجله. وبهذا يكون الجو العام الذي يحيط بالمريض هو جو رفيق مؤنس يرتاح له المصاب يقضي على الخوف ويحقق الطمأنينة. ذلك أن الخوف يؤثر على نبضات القلب ويصحبه من الإفرازات ما يجعل الاضطراب في سير بعض الأجهزة الإنسانية يتبعه حتما اختلال في توزيع الدم على الأعضاء .
ومن ناحية أخرى فإنه مما استقر في نفس المؤمن من حسن التوكل على الله والالتجاء إليه ينفتح باب الرجاء ويقضي عن، اليأس والظلام الباطني المحبط للنشاط والمعوق للإرادة عن الفعل الباطني، يبدو ذلك في صرف الإنسان عن التفكير في أساه والسمو إلى الله مع إشراقة الرجاء. قال تعالى (أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) (سورة النمل آية 62). ( وإذا مرضت فهو يشفين (الشعراء آية 80).
إنه بواسطة التحويل من الاستغراق في الإحساس بالألم إلى التوجه إلى الله لعبادته ولدعائه ثم تقبل النهاية الحتمية بأن قضاء الله يجب الرضا به يكون التعليم النبوي قد انتشل المريض من العذاب النفسي. إن آخر كلمة نطق بها رسول الله r تعلم المؤمن كيف تكون صلته بقضاء الله إنها صلة الرضا الكامل إنها الابتسامة التي تنفرج بها شفتا المؤمن عندما يودع هذه الحياة إلى الحياة الآخرة. فقد روى مسلم عن عائشة قالت لما مرض رسول الله كثر وثقل أخذت بيده لأصنع به نحوها ما كان يصنع فانتزع يده من يدي ثم قال. اللهم اغفر لي واجعلني مع الرفيق الأعلى قالت فذهبت أنظر فإذا هو قد قضى .
الرقية: هي مجموعة من التوجهات قد تصحبها إشارات وحركات يقوم بها المريض أو غيره قصد تحصيل الشفاء أو التخفيف .
والرقية قديمة عرفها العرب قبل البعثة المحمدية ولعلها من بقايا الديانة الإبراهيمية فيما بقي منها متوارثا عندهم صحفت حسب انحراف العقيدة وما لا بسها من وثنية، ونجد في السنة النبوية الصحيحة أحاديث تأذن بالرقية وأحاديث يفهم منها النبي عن الرقية.
فمن الأحاديث الدالة بظاهرها على عدم الإذن ، الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس قال: قال النبي r (عرضت علي الأمم فأجد النبي يمر معه الأمة والنبي يمر معه النفر والنبي يمر معه العشر والنبي يمر معه الخمسة والنبي يمر وحده فنظرت فإذا سواد كثير قلت يا جبريل هؤلاء أمتي؟ قال لا ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد كثير قال هؤلاء أمتك وهؤلاء سبعون ألفا قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب قلت: ولم؟، قال: كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام إليه عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم قال (اللهم اجعله منهم) ثم قام إليه رجل) آخر قال ادع الله أن يجعلني منهم قال (سبقك بها عكاشة) .
الحديث يدل بظاهره على أن الذين لا يسترقون لهم ميزة يوم القيامة تتمثل في السبق إلى الجنة بدون حساب فمعنى هذا أن الذين يسترقون أحط رتبة منهم والنزول عن مراتب الكرامة لا يكون أثرا للحلال والمندوب والواجب وإنما هو للمكروه والحرام وهذا الظاهر يعارضه أحاديث أخرى جاءت في تفصيل الرقية وأنه r فعلها وأقر عليها وأذن بها. فقد اجتمعت في الرقية ضروب الهداية بالسنة من جميع وجوهها القول والفعل والإقرار ويستحيل أن يكون الأمر الواحد مأمورا به منهيا عنه فلابد من تعميق النظر للجمع بين النصوص.
نقل عياض عن الداودي أن النهي عن الرقية هو منصب على من يفعل ذلك في الصحة معناه اتخاذ الرقية وسيلة وقاية.، وهذا تأويل لا يدل عليه الحديث وزيادة غير مستندة لأصل وثانيا فقد وردت أحاديث صحيحة تدل على أن الرقية قد أذن فيها في الصحة كما سيأتي.
تم ذكر أن الحديث لا يحوج إلا التأويل لأن النبي r لم يذم من قال بالكي والرقى وإنما أخبر عن كرامة السبعين ألفا من أمته قاله على وجه التفسير لهـم. هم كذا وليس السبب من كرامتهم تجنبهم اعتقاد نفع الأدوية.
وتعقب الأبي هذا التوجيه أن الحديث عند من أخذ منه الكراهة خرج مخرج المدحة على الترك وهو خاصية المكروه لا مخرج التفسير والرد عليه بأنه لم يذم لا يتم لأن الذم على الفعل خاصية المحرم ، والذي يظهر لي أن المزية لا توجب الأفضلية فليس معنى الحديث أنهم أفضل من غيرهم بل قد يكون أن هؤلاء الذين جمعوا بين الصفات الواردة في الحديث (1) لا يكتوون (2) لا يتطيرون (3) لا يسترقون (4) يتوكلون على الله حق التوكل قد وعدهم الله مما وعدهم الله مع أنه يمكن أن يكون غيرهم أفضل منهم وهو لا يدل على الكراهية كما روى أبو داود عن رسول الله r لا رقية إلا من عين أو حمة وقد أجاب عن هذا الحديث ابن القيم في زاد المعاد وفي الطب النبوي بأن محمله على الأولوية أي لا رقية أنفع من رقية العين والحمة.
وأما الأحاديث الدالة على الرقية فكثيرة جدا مروية صت عائشة وعن أسماء بنت عميس وعن جابر وعوف بن مالك الأشجعي وعثمان بن أبي العاص الثقفي وعن أم سلمة وعن أنس بن مالك وعن الشفاء بنت عبد الله وصف سهل بن حنيف، وعن أبي هريرة وعن ابن عباس وعن ميمونة بنت أبي عسيب وعن كعب بن مالك وعن أبي سعيد الخدري وعن عبادة بن الصامت وعن أبي الدرداء وعن رافع بن خديج وعن ابن عمر وعن جبلة بن الأزرق وعن عمار بن ياسر وعن علي بن أبي طالب وعن الحارث بن عمرو البرجمي وعن بديل بن عمرو الخطمي وعن محمد بن حاطب.
هؤلاء الصحابة وغيرهم رووا أحاديث عن رسول الله r كلها تثبت صيغا من الرقى أو تنقل إذنا منه في الرقية كما وقع ولآل حزم وخال جابر وعوف بن مالك الأشجعي كما رواه مسلم في صحيحه .
وكما ثبت عن رسول الله r الرقية بعد الإصابة روي عنه الرقية المحصنة من الإصابة فقد روت عائشة عن النبي r أنه كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقُل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده قالت عائشة فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل به ذلك.
مفتي الجمهورية التونسية
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما .
إن علاقة المريض- بالأصحاء من خلال النصوص التي عرضناها تبدو متجهة إلى القضاء على عقدة الخوف من الإنسان. خوفه من الموت إذا كان مريضا وخوفه من إصابته بالمرض إذا كان صحيحا. وهذه ناحية هامة في توازن شخصية المسلم في حالتي السقم والصحة إذ يساعده العطف والكلام الطيب المتمثل في التخفيف عليه من حدة المرض (التنفيس في الأجل) والاعتقاد بأن الضر والنفع بيد الله وليس للعدوى أثر لابد منه، يساعده على التحصن بالشجاعة في مقاومة المرض. وعدم الهلع عند انتظار الأوبئة والأمراض المعدية وكم كشف الأطباء عن مرضى يحسون بآلام مختلفة وقد تكون مبرحة وما هي إلا من خداع النفس عندما تنهار ويحيط بها الخوف.
ثانيا الممرضون:
نني بالممرضين طائفة خاصة رزقوا قدرة على التأثير في غيرهم. إما تخريبا لصحتهم وإما إصلاحا لما اختل من استقامة البدن والروح.
ا) الطائفة المخربة تشمل العائنين والسحرة
أثبتت السنة أن العين تؤثر في الإنسان فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله r قال العين حق .
وروى مالك في موطئه عن محمد بن أبي أسامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول اغتسل أبي بالخرار (موضع قرب رابغ) فنزع جبة كانت عليه وعامر بن ربيعة ينظر قال: وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد قال فقال له عامر بن ربيعة : ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء قال: فوعك سهل مكانه واشتد وعكه. فأتي رسول الله r فأخبر أن سهلا وعك. وأنه غير رائح معك يا رسول الله فأتاه رسول الله له فأخبره سهل بالذي كان من شأن عامر بن ربيعة فقال رسول الله r علام يقتل أحدكم أخاه؟ ألا بركت إن العين حق توضأ له. فتوضأ له عامر فراح سهل مع رسول الله r . ليس به بأس.
إن هذه الأحاديث تثبت تأثير العنت بقدر الله قطعا. وأن التبريك يدفع الضرر. يقول أبو عمر بن عبد البر. والتبريك أن يقول. تبارك الله أحسن الخالقين اللهم بارك فيه .
يقول المازري . أنكر العين طوائف من المبتدعة ويرد عليهم أن ما ليس بحال في نسه. ولا يصدق إلى مخالفة دليا هو جائز وإذا أخبر الشارع بوقوعه وجب اعتقاده ولا فرق بين التكذيب به والتكذيب بشيء من أحوال الآخرة وزعم بعض الطبائعيين المثبتين للعين أن العائن تنبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعيون فيهلك أو يفسد قالوا ولا يستند هذا كما لا يستنكر انبعاث ذلك من الأفعى والعقرب ثم أنكر عليهم التعبير بكلمة قوة ثم قال وأقرب طريق اقتحمها من ينتمي للإسلام أن قالوا غير بعيد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئية تتصل بالمعيون وتتخلل مسام جسمه فيخلق الله سبحانه الضرر عندها. وعقب على ذلك بأن هذا ممكن لا دليل عليه .
وقد نقل العلماء ما يؤكدها وقع لسهل بن حنيف فقد ذكر ابن عبد البر أن سعد بن أبي وقاص خرج يوما وهو الكوفة فنظرت إليه امرأة فقالت إن أميركم هذا لأهضم الكشحين فعانته فرجع إلى منزله فوعك ثم إنه بلغه ما قالت فأرسل إليها فغسلت أطرافها ثم اغتسل به فذهب ذلك عنه وقال عن المدائني عن الأصمعي قال حج هشام بن عبد الملك فأتى المدينة فدخل عليه سالم بن عبد الله بن عمر فلما خرج من عنده قال هشام لا رأيت ابن سبعين أحسن كدنة منه (غلظ الجسم وكثرة اللحم) فلما صار سالم في منزله حم فقال أترون الأحول لقعني بعينيه، فما خرج هشام من المدينة حتى صلى عليه.
وروى الأبي عن شيخه ابن عرفة، أنه كان ببجاية رجل مشهور بإصابة العين فلما رجع الأمير أبو الحسن سلطان المغرب قافلا عن أفريقية إلى المغرب في الأسطول المعروف. وكان ببجاية حينئذ أمير من قبل الموحدين فأمره هذا الأمير أن ينظر إلى ذلك الأسطول ويعينه فكان من أمر الأسطول وإتلاف أكثره ما كان .
وحاول ابن قيم الجوزية إثبات تأثير العين في المعين بأن التأثير الروحي يقيني لمن تأمل، فروح الحاسد مؤذية للمحسود. إذ تتكيف بكيفيات خاصة وتقابل السود فتؤثر بتلك الخاصية.
وإذا كان الناظرون مختلفين في القدرة على التأثير مع عدم الاتصال المباشر إثباتا ونفيا يحتج النافي بالاستحالة العادية ويحتج المثبت بالإمكان العقاب وبالخبر الصادق فإن التقنية المعاصرة قد تجاوزت ذلك إذ أخرجته من حد الفرض إلى الواقع المادي في الكون. فالاليكترون وما بلغه من مستوى في التأثير يؤيد تأييدا يرفع كل شك في التأثير مع الانفصال. فالأقمار الصناعية والكواكب الفضائية يتحكم في سيرها المراقبون في الأرض والواحد منا يتحكم في جهاز التلفاز تغييرا وإشغالا وتعطيلا بواسطة جهاز الكتروني لا يتصل الاتصال المادي. أنه كلما تقدم العلم زاد تحكم الإنسان في الكائنات الكونية دون ، احتياج إلا مباشرة فعلية.
وكما خلق الله في النفس الإعجاب بكل فائق في كماله ورتب على ذلك أن بعض المعجبين قد يؤذون ما تسلطت عليه عيونهم لخواص في تركيبهم النفسي، فإنه سبحانه حسب سننه الكونية بين للناس طرق الوقاية والعلاج.
أما الوقاية فقد علم رسول الله اسم كل من أعجب بشيء أن يذكر اسم الله ويبرك عليه ولو كان متعلق الإعجاب ذاته أو أحد أحبائه فإن ضرر العين غير مرتبط بالكراهة والبغض كما تكون الوقاية بالرقية. يدل لذلك مارواه مالك في موطئه عن حميد بن قيس المكي أنه قال دخل على رسول الله كله بابني جعفر بن أبي طالب فقل لحاضنتهما مالي أراهما ضارعين؟ فقالت يا رسول الله إنه تسرع العين إليهما، ولم يمنعنا أن نسترقي لهما إلا أننا لا ندري ما يوافقك من ذلك فقال
رسول الله r استرقوا لهما فإنه لو سبق شيء القدر لسبقته العين.
وأخرج أبو عمر بن عبد البر بسنده إلى ابن عباس قال كان رسول الله r يعوذ حسنا وحسيا. (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة) ثم يقول هكذا كان أبي إبراهيم يعوذ إسماعيل وإسحاق .
وأما العلاج فيكون بالوضوء وفي وصف الوضوء من أجل العين صور كثيرة أقربها إلى الصحة هي الطريقة التي رواها الرواة عن الزهري راوي حديث الوضوء من العنت. قال: يغتسل العائن في قدح من ماء يدخل يده فيه فيمضمض ويمجه في القدح ويغسل وجهه فيه ثم يصب بيده اليسرى على كفه اليمنى ثم يصب باليمنى على كفه اليسرى ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على مرفق يده اليمنى ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى ثم يغسل قدمه اليمنى تم يدخل اليمنى فيغسل قدمه اليسرى ثم يدخل يده اليمنى فيغسل الركبتين ثم يأخذ داخلة إزاره فيصب على رأسه صبة
واحدة وإلا يضع القدح حتى يفرغ .
2) الطائفة المصلحة وهي تشمل من يقوم على تمريض المصاب. فيعنى به في مأكله ودوائه وكل ما يحتاج إليه ومن يقوم على الرقيا. يجد المتتبع للسنة صورا من هدي النبوة في معاملته للمريض.
إن أول ما يلفت النظر هو التأكيد على احترام المريض وعدم الضغط عليه لأن المريض وإن كان مختل المزاج البدني إلا أن قدرته على الاختيار باقية سليمة وهو أحرص الناس على صلاح نفسه لأن حب الحياة غريزة مركوزة في باطن كل إنسان يشعر بها ويتفاعل معها بمقدار يفوق ما يشعر به غيره نحوه.
يدل لهذا ما أخرجه البخاري في مسنده إلى عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لددنا رسول الله r في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء فقال r لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر إلا العباس فإنه لم يشهدكم .
واللدود هو دواء يصب في جانب الفم.
هذا الحديث يصور لنا تأديبا عمليا أذن فيه رسول لله r ليقتلع عادات وتصورات ألفوها. فعندما يلد كل فرد كما لد هو في ، الوقت الذي لا حاجة به إلى ذلك يشعر بالأمر الذي يؤلم النفس في الوقت الذي يكون المريض أحوج ما يكون إلى من يساعده على الثقة في نفسه. ولا يقتصر الهدي النبوي على الدواء بل كذلك الطعام لا يجبر عليه.
روى الترمذي عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال قالت رسول الله r ليقتلع عادات وتصورات ألفوها فعندما يلد كل فرد كما له هو في الوقت الذي لا حاجة به إلى ذلك يشعر بالأمر الذي يؤلم في الوقت الذي يكون المريض أحوج ما يكون إلى من يساعده على الثقة في نفسه . ولا يقتصر الهدى النبوي على الدواء بل كذلك الطعام لا يجبر عليه .
روى الترمذي أن الله يخلق لهم القوة الكافية عن تناول الطعام والشراب فعبر عن القوة بسببها فهو أحد قسمي المجاز.
يعلق عليه ابن القيم قائلا: وفي قوله r فإن الله يطعمهم ويسقيهم معنى لطيف زائد على ما ذكره الأطباء لا يعرفه إلا من له عناية بأحكام القلوب والأرواح وتأثيرها في طبيعة البدن وانفعال الطبيعة عندها كما تنفعل هي عن الطبيعة ونحن نشير إليه إشارة فنقول إذا حصل لها ما يشغلها من محبوب أو مكروه أو مخوف اشتغلت به عن طلب الغذاء والشراب فلا تحس بجوع ولا عطش ولا حر ولا برد بل تشتغل به عن الإحساس بالمؤلم الشديد الألم فلا تحس به. وما من أحد إلا وقد وجد في نفسه ذلك أو شيئا منه والنفس إذا اشتغلت بما داهمها وورد عليها لم تحس بألم الجوع فإن كان الوارد مفرحا قوي التفريح قام لها مقام الغذاء وإن كان الوارد محزنا أو مخوفا اشتغلت بمحاربته فهي في حال حربها في شغل عن طلب الطعام والشراب إن ظفرت في هذه الحرب انتعشت وأخلفت عليها نظير ما فاتها من قوة الطعام والشراب وإن كانت مغلوبة مقهورة انحطت قواها بحسب ما حصل لها من ذلك.
فالمريض له مدد من الله تعالى يغذيه به زائدا على ما ذكره الأطباء وذلك بحسب ضعفه وانكساره وانطراحه بين يدي ربه. عز وجل فيحصل له من ذلك ما يوجب قربا من ربه فإن العبد أقرب ما يكون من ربه إذا انكسر قلبه ، ورحمة ربه قريبا منه. فإن كان وليا له حصلت له من الأغذية القلبية ما تقوى به قوى طبيعته وتنتعش به قواه أعظم من قوتها وانتعاشها بالأغذية البدنية وكلما قوي إيمانه وحبه لربه وأنسه به وفرحه به وقوي بيقينه بربه واشتد شوقه إليه ورضاه به وعنه، وجد في نفسه من هذه القوة مالا يعبر عنه ولا يدركه وصف طبيب ولا يناله علمه .
فابن القيم عمل على تقريب الحكمة التي من أجلها أرشد r إلى ترك إكراه المريض على تناول الطعام وليس معنى ذلك، أنها يقينا الحكمة التي قصدها رسول الله r كما أنها ليست الحكمة الوحيدة وعلى كل فإن في كسر نفس المريض والتقوي عليه وإلزامه مالا يرغب ولا يستطيع دفعه لوهن قواه البدنية في ذلك ضرر محقق بقدرته الباطنية وتحطيم لقواه المعنوية التي لا تعود على المريض إلا بالضر.
إن عدم الإكراه يصحبه ما قدمنا من توهين أمر المرض ، والدعاء للمريض، وتقوية طاقة تحمله بالتنفيس في أجله. وبهذا يكون الجو العام الذي يحيط بالمريض هو جو رفيق مؤنس يرتاح له المصاب يقضي على الخوف ويحقق الطمأنينة. ذلك أن الخوف يؤثر على نبضات القلب ويصحبه من الإفرازات ما يجعل الاضطراب في سير بعض الأجهزة الإنسانية يتبعه حتما اختلال في توزيع الدم على الأعضاء .
ومن ناحية أخرى فإنه مما استقر في نفس المؤمن من حسن التوكل على الله والالتجاء إليه ينفتح باب الرجاء ويقضي عن، اليأس والظلام الباطني المحبط للنشاط والمعوق للإرادة عن الفعل الباطني، يبدو ذلك في صرف الإنسان عن التفكير في أساه والسمو إلى الله مع إشراقة الرجاء. قال تعالى (أم من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) (سورة النمل آية 62). ( وإذا مرضت فهو يشفين (الشعراء آية 80).
إنه بواسطة التحويل من الاستغراق في الإحساس بالألم إلى التوجه إلى الله لعبادته ولدعائه ثم تقبل النهاية الحتمية بأن قضاء الله يجب الرضا به يكون التعليم النبوي قد انتشل المريض من العذاب النفسي. إن آخر كلمة نطق بها رسول الله r تعلم المؤمن كيف تكون صلته بقضاء الله إنها صلة الرضا الكامل إنها الابتسامة التي تنفرج بها شفتا المؤمن عندما يودع هذه الحياة إلى الحياة الآخرة. فقد روى مسلم عن عائشة قالت لما مرض رسول الله كثر وثقل أخذت بيده لأصنع به نحوها ما كان يصنع فانتزع يده من يدي ثم قال. اللهم اغفر لي واجعلني مع الرفيق الأعلى قالت فذهبت أنظر فإذا هو قد قضى .
الرقية: هي مجموعة من التوجهات قد تصحبها إشارات وحركات يقوم بها المريض أو غيره قصد تحصيل الشفاء أو التخفيف .
والرقية قديمة عرفها العرب قبل البعثة المحمدية ولعلها من بقايا الديانة الإبراهيمية فيما بقي منها متوارثا عندهم صحفت حسب انحراف العقيدة وما لا بسها من وثنية، ونجد في السنة النبوية الصحيحة أحاديث تأذن بالرقية وأحاديث يفهم منها النبي عن الرقية.
فمن الأحاديث الدالة بظاهرها على عدم الإذن ، الحديث الذي رواه البخاري عن ابن عباس قال: قال النبي r (عرضت علي الأمم فأجد النبي يمر معه الأمة والنبي يمر معه النفر والنبي يمر معه العشر والنبي يمر معه الخمسة والنبي يمر وحده فنظرت فإذا سواد كثير قلت يا جبريل هؤلاء أمتي؟ قال لا ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد كثير قال هؤلاء أمتك وهؤلاء سبعون ألفا قدامهم لا حساب عليهم ولا عذاب قلت: ولم؟، قال: كانوا لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون فقام إليه عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم قال (اللهم اجعله منهم) ثم قام إليه رجل) آخر قال ادع الله أن يجعلني منهم قال (سبقك بها عكاشة) .
الحديث يدل بظاهره على أن الذين لا يسترقون لهم ميزة يوم القيامة تتمثل في السبق إلى الجنة بدون حساب فمعنى هذا أن الذين يسترقون أحط رتبة منهم والنزول عن مراتب الكرامة لا يكون أثرا للحلال والمندوب والواجب وإنما هو للمكروه والحرام وهذا الظاهر يعارضه أحاديث أخرى جاءت في تفصيل الرقية وأنه r فعلها وأقر عليها وأذن بها. فقد اجتمعت في الرقية ضروب الهداية بالسنة من جميع وجوهها القول والفعل والإقرار ويستحيل أن يكون الأمر الواحد مأمورا به منهيا عنه فلابد من تعميق النظر للجمع بين النصوص.
نقل عياض عن الداودي أن النهي عن الرقية هو منصب على من يفعل ذلك في الصحة معناه اتخاذ الرقية وسيلة وقاية.، وهذا تأويل لا يدل عليه الحديث وزيادة غير مستندة لأصل وثانيا فقد وردت أحاديث صحيحة تدل على أن الرقية قد أذن فيها في الصحة كما سيأتي.
تم ذكر أن الحديث لا يحوج إلا التأويل لأن النبي r لم يذم من قال بالكي والرقى وإنما أخبر عن كرامة السبعين ألفا من أمته قاله على وجه التفسير لهـم. هم كذا وليس السبب من كرامتهم تجنبهم اعتقاد نفع الأدوية.
وتعقب الأبي هذا التوجيه أن الحديث عند من أخذ منه الكراهة خرج مخرج المدحة على الترك وهو خاصية المكروه لا مخرج التفسير والرد عليه بأنه لم يذم لا يتم لأن الذم على الفعل خاصية المحرم ، والذي يظهر لي أن المزية لا توجب الأفضلية فليس معنى الحديث أنهم أفضل من غيرهم بل قد يكون أن هؤلاء الذين جمعوا بين الصفات الواردة في الحديث (1) لا يكتوون (2) لا يتطيرون (3) لا يسترقون (4) يتوكلون على الله حق التوكل قد وعدهم الله مما وعدهم الله مع أنه يمكن أن يكون غيرهم أفضل منهم وهو لا يدل على الكراهية كما روى أبو داود عن رسول الله r لا رقية إلا من عين أو حمة وقد أجاب عن هذا الحديث ابن القيم في زاد المعاد وفي الطب النبوي بأن محمله على الأولوية أي لا رقية أنفع من رقية العين والحمة.
وأما الأحاديث الدالة على الرقية فكثيرة جدا مروية صت عائشة وعن أسماء بنت عميس وعن جابر وعوف بن مالك الأشجعي وعثمان بن أبي العاص الثقفي وعن أم سلمة وعن أنس بن مالك وعن الشفاء بنت عبد الله وصف سهل بن حنيف، وعن أبي هريرة وعن ابن عباس وعن ميمونة بنت أبي عسيب وعن كعب بن مالك وعن أبي سعيد الخدري وعن عبادة بن الصامت وعن أبي الدرداء وعن رافع بن خديج وعن ابن عمر وعن جبلة بن الأزرق وعن عمار بن ياسر وعن علي بن أبي طالب وعن الحارث بن عمرو البرجمي وعن بديل بن عمرو الخطمي وعن محمد بن حاطب.
هؤلاء الصحابة وغيرهم رووا أحاديث عن رسول الله r كلها تثبت صيغا من الرقى أو تنقل إذنا منه في الرقية كما وقع ولآل حزم وخال جابر وعوف بن مالك الأشجعي كما رواه مسلم في صحيحه .
وكما ثبت عن رسول الله r الرقية بعد الإصابة روي عنه الرقية المحصنة من الإصابة فقد روت عائشة عن النبي r أنه كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقُل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده قالت عائشة فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل به ذلك.
طلو صبيا- .
- عدد الرسائل : 3933
هعدل المساهمات : الوحة الشرفية :
السٌّمعَة : 383
نقاط العضو المكتسبة : 15467
تاريخ التسجيل : 28/12/2007
شمرروووخ- .
- عدد الرسائل : 366
هعدل المساهمات : الوحة الشرفية :
السٌّمعَة : 46
نقاط العضو المكتسبة : 12529
تاريخ التسجيل : 30/01/2008
مواضيع مماثلة
» الطب النبوي لفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي
» الطب النبوي لفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي
» الطب النبوي لفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي
» الطب النبوي لفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي (الحلقة الأولى
» صور الشيخ محمد العريفي في العناية المركزة ...
» الطب النبوي لفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي
» الطب النبوي لفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي
» الطب النبوي لفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي (الحلقة الأولى
» صور الشيخ محمد العريفي في العناية المركزة ...
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى